سورة يونس - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ} قيل: معناه أهنالك؟ وحينئذ، وليس بحرف عطف، {إذا ما وقع} نزل العذاب، {آمَنْتُمْ بِهِ} أي بالله في وقت اليأس. وقيل: آمنتم به أي صدَّقتم بالعذاب وقت نزوله، {آلآن} فيه إضمار، أي: يقال لكم: آلآن تؤمنون حين وقع العذاب؟ {وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} تكذيبا واستهزاء.
{ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} أشركوا، {ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} في الدنيا.
{وَيَسْتَنْبِئُونَك} أي: يستخبرونك يا محمد، {أَحَقٌّ هُوَ} أي: ما تعدنا من العذاب وقيام الساعة، {قُلْ إِي وَرَبِّي} أي: نعم وربي، {إِنَّهُ لَحَقٌّ} لا شك فيه، {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} أي: بفائتين من العذاب، لأن من عجز عن شيء فقد فاته.
{وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ} أي: أشركت، {مَا فِي الأرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ} يوم القيامة، والافتداء ها هنا: بذل ما ينجو به من العذاب. {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ} قال أبو عبيدة: معناه: أظهروا الندامة، لأنه ليس ذلك اليوم يوم تصبّر وتصنّع. وقيل: معناه أخفوا أي: أخفى الرؤساء الندامةَ من الضعفاء، خوفًا من ملامتهم وتعبيرهم، {لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} فرغ من عذابهم، {وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}.
{ألا إن لله ما في السموات والأرض ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون هو يحيي ويميت وإليه ترجعون}.


قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ} تذكرة، {مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} أي: دواء للجهل، لما في الصدور. أي: شفاء لعمى القلوب، والصدر: موضع القلب، وهو أعز موضع في الانسان لجوار القلب، {وَهُدًى}من الضلالة، {وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} والرحمة هي النعمة على المحتاج، فإنه لو أهدى ملك إلى ملك شيئا لا يقال قد رحمه، وإن كان ذلك نعمة لأنه لم يضعها في محتاج.
قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ} قال مجاهد وقتادة: فضل الله: الإيمان، ورحمته: القرآن. وقال أبو سعيد الخدري: فضل الله القرآن ورحمته أن جعلنا من أهله.
وقال ابن عمر: فضل الله: الإسلام، ورحمته: تزيينه في القلب.
وقال خالد بن معدان: فضل الله: الإسلام، ورحمته: السُّنن.
وقيل: فضل الله: الإيمان، ورحمته: الجنة.
{فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} أي: ليفرح المؤمنون أن جعلهم الله من أهله، {هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} أي: مما يجمعه الكفار من الأموال. وقيل: كلاهما خبر عن الكفار.
وقرأ أبو جعفر وابن عامر: {فليفرحوا} بالياء، و{تجمعون} بالتاء، وقرأ يعقوب كليهما بالتاء مختلف عنه خطابًا للمؤمنين.
{قُلْ} يا محمد لكفار مكة، {أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ} عبَّر عن الخلق بالإنزال، لأن ما في الأرض من خير، فمما أنزل الله من رزق، من زرع وضرع، {فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا} هو ما حرموا من الحرث ومن الأنعام كالبحيرة، والسائبة، والوصيلة والحام. قال الضحاك: هو قوله تعالى: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا} [الأنعام- 136]. {قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُم} في هذا التحريم والتحليل، {أَمْ} بل، {عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} وهو قولهم: {والله أمرنا بها}.


{وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أيحسبون أن الله لا يؤاخذهم به ولا يعاقبهم عليه، {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ}.
قوله عز وجل: {وَمَا تَكُونُ} يا محمد، {فِي شَأْنٍ} عمل من الأعمال، وجمعه شُؤون، {وَمَا تَتْلُو مِنْه} من الله، {مِن قُرْآنٍ} نازل، وقيل: منه أي من الشأن من قرآن، نزل فيه ثم خاطبه وأمته فقال: {وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} أي: تدخلون وتخوضون فيه، الهاء عائدة إلى العمل، والإفاضة: الدخول في العمل. وقال ابن الأنباري: تندفعون فيه. وقيل: تُكْثِرون فيه. والإفاضة: الدفع بكثرة.
{وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ} يغيب عن ربك، وقرأ الكسائي {يَعْزِب} بكسر الزاي، وقرأ الآخرون بضمها، وهما لغتان. {مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ} أي: مثقال ذرة، و{من} صلة، والذرة هي: النملة الحميراء الصغيرة. {فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ} أي: من الذرة، {وَلا أَكْبَرَ} قرأ حمزة ويعقوب: برفع الراء فيهما، عطفا على موضع المثقال قبل دخول {من}، وقرأ الآخرون: بنصبهما، إرادة للكسرة، عطفا على الذرة في الكسر. {إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} وهو اللوح المحفوظ.
قوله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} واختلفوا فيمن يستحق هذا الاسم. قال بعضهم: هم الذين ذكرهم الله تعالى فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} وقال قوم: هم المتحابّون في الله عز وجل.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفَّار، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن أبي حسين عن شهر بن حوشب، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء لقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة»، قال: وفي ناحية القوم أعرابي فجثا على ركبتيه ورمى بيديه ثم قال: حدثنا يا رسول الله عنهم من هم؟ قال: فرأيت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم البشر، فقال: «هم عباد من عباد الله من بلدان شتى وقبائل، لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بها، ولا دنيا يتباذلون بها، يتحابون بروح الله، يجعل الله وجوههم نورا، ويجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الرحمن، يفزع الناس ولا يفزعون، ويخاف الناس ولا يخافون».
ورواه عبد الله بن المبارك عن عبد الحميد بن بهرام قال: حدثنا شهر بن حوشب، حدثني عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: مَنْ أولياء الله؟ فقال: «الذين إذا رؤوا ذُكر الله».
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: «إن أوليائي من عبادي الذين يُذْكَرُون بذكري وأُذْكَرُ بذكرهم».

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10